عذراً غزة فليس الوقت وقت التضامن معك. عذراً غزة فالمونديال يُلعب ومن يبالي بك.
عذراً غزة فدموع البرازيليين أدهشتنا أكثر من صرخات ابنائك وهم يحرقون...
عذراً غزة فهدير الطابة كان أعلى صداً وأشد إيقاعاً من أصوات القنابل التي أُمطِرتِ بها...
كان ليلاً طويلاً هو الذي جمعني بك يا غزة، ليلاً امضيته أنا أتابع مباراةً سلب جنونها أنفاسي، وامضيته أنت تستعدين أنفاسك من جنون لم يرحم أطفالك. ليلاً امضيته استمتع بطرائف هطلت علينا بكثافة، وامضيته أنت تستمعين لصراخ امواتك تحت وابل من الأمطار الصاروخية. ليلاً ضحكتُ فيه وهزئت، ليلاً هزأ فيه الموت من أبرياءك.
كنا أنا وأنت نجلس على طرف ذلك الليل ذاته تفصلنا بحورٌ من اللا مبالاة، وعواصف من الوحشية، وإنسانية مبعثرة شهيدة.

كان أبناؤك يموتون، يحرقون، يصرخون وكنت أنا أجلس أمام تلفازي أتابع مسار كرة. كان أطفالك يبثرون وكنت أنا مشغولةً أترقب باهتمامٍ بالغٍ أحداث المباراة.
أسكرني الفرح العابث، ومضى ذلك الليل ورفضت أنت أن تهديني راحة الضمير،  رفضتي أن تسامحيني على عبثي الطفولي، رفضتي أن تسامحيني على خيانةٍ أجلستك مسلوبة مغتصبة. مضى الليل ولكن الموت المنبعث من طرقاتك رفض أن يرحل دون أن يقتطف له من قلبي عذاب الضمير.
عذراً غزة، فالبارحة خنتك ولم أواري عاري. عذراً غزة فالبارحة شاركت قاتليك جريمتهم البشعة، ولم يرف لي جفنٌ، عذراً غزة فالصمت عن الظلم شيطانٌ أكبر...

هل تكفي كلماتي لأعتذر؟ كيف أبرر لك صمتي عن المك؟ كيف أخبرك أنك في صباح الأمس لم تكوني أنت النجمة؟ كيف أخبرك أنك لم تتصدري الصحف؟ وأن دموع أطفالك لم تهزنا كما هزتنا دموع البرازيليين؟ كيف أخبرك اننا سرقنا منك حقك بنجوميةٍ ترفعك إلى صفحاتنا الأولى؟ كيف أخبرك اننا اقدمنا على خيانتك مرتين على التوالي؟

البارحة كان دورك أن تعيشي ليلةً أخرى من النسيان، لكنك لست الوحيدة... لكل ليلٍ من ليالينا غزةٌ مختلفة ولكل نهارٍ من أيامٍ غزةٌ مختلفة... غزةٌ يختلف موقعها على الكرة الأرضية ليبقى عبق المها والظلم المستفحل بها ثابتاً لا يتغير...


 Rihab