على مسرح لا
تتعدى مساحته بضع أمتار مربعة، إستطاع يحيى جابر أن يجسد تاريخ منطقةٍ بأكملها وأن
يعيد رسم عمرٍ كاملٍ من النزاعات الطائفية والسياسية والعائلية.
قليلٌ من المال
وكثيرٌ من الحب كان رصيده، فإذا به يحصد نجاحاً تخطى توقعاته. خاطر وراهن على شاب
لم تطأ قدميه خشبة المسرح من قبل وربح رهانه
فأسكت كل المشككين.
كان لنا الحظ
لنجلس معه ومع الممثل زياد العيتاني ودار بيننا نقاش طويل، تمنينا لو طال أكثر. لن
نخفي تفاجأنا ورهبتنا بحضورهما سوياً للقائنا، لكنهما ومنذ اللحظة
الأولى، أشعرانا بتواضعهما براحةٍ كبيرة وعاملانا بجديةٍ واحترام على الرغم من
انشغالاتهم الكثيرة.
حوارنا معهما
تناول مسرحية "بيروت، طريق الجديدة" ومشاريعهما المستقبلية.
"بيروت،
طريق الجديدة"
طريق الجديدة
إسمٌ مبهمٌ نقله يحيى جابر من عتمة الأحكام المسبقة إلى ضوء مسرحٍ راح يشع فرحاً
وصدقاً مع كل كلمة وحركة أداها زياد عيتاني.
تسرد هذه
المسرحية تاريخ منطقة طريق الجديدة من خلال حوالي 15 شخصية واقعية وحقيقية، تداور
زياد عيتاني على تجسيدها منفرداً. دفّ، كرسي، منقل فحم، شرشف ونرجيلة هي كل ما
احتاجه هذا الصحافي الموهوب على المسرح. فأتت الرسالة التي أراد جابر إيصالها إلى
"أولاد الكار" واضحةً جلية "ان ضخامة الإنتاج واسم الممثل لا يهمان
إذا اجتمعت الموهبة بالعمل الحثيث".
كل شخصية درست
بدقةٍ وعنايةٍ (تطريز هي الكلمة التي استعملها جابر) لكي تعكس وجهاً من وجوه
المنطقة بدون تجريحٍ ومبالغة. تكملة النص جاءت بأداءٍ متقنٍ من زياد عيتاني الذي
تنقّل بين جميلة الداعوق، رشدية، عمر الترك، أبو العبد وغيرهم من الشخصيات بخفةٍ
وأناقةٍ. زياد يعزو الأمر إلى التعب والجهد الذي قام بهما وإعداده بشكلٍ قويٍ من
قبل المخرج. هو عادةً مهملٌ وفوضوي، لكنه، ومنذ بدء العروض، بات أكثر مسؤلية، فلا
بديل له إن لم يستطع أن يؤدي الدور.
على مدى أكثر
من ستة أشهر، حوّل يحيى جابر زياد عيتاني من شابٍ موهوبٍ إلى ممثلٍ محترفٍ:
"تعاملت معه منذ البداية على أنه سيصبح نجماً، وليس كمجرد هاوٍ. وقد واجه
صعوباتٍ كثيرةٍ، إلا أن شجاعة زياد وإيمانه بنفسه سمحا له بتخطيها. إعداد زياد
كممثل تطلب الكثير من الجهد، فتأديته ما يقارب الساعتين على المسرح منفرداً يحتاج
إلى جهدٍ جسديٍ ونفسيٍ بالإضافة إلى الليونة والحركة".
تقسم المسرحية
إلى جزئيين. فبينما يتناول الجزء الأول الناحية الاجتماعية لمنطقة طريق الجديدة، عارضاً
الاختلافات القائمة بين العائلات، يأتي الجزء الثاني ليتناول المواضيع السياسية
عبر مراحل التاريخ، بدءًا من قبل اندلاع الحرب اللبنانية وصولاً إلى الحاضر.
بذكاءٍ وصدقٍ
شديدٍ قاد جابر المسرحية، فلم يتخذ طرفاً في أيٍ من النزاعات ولم ينزلق في لعبة
المواعظ أو الأحقاد. حتى تواريخ 14 شباط و-7 ايار نقلت بطريقةٍ هادئة ومسالمة.
أما رسالتهما
من هذا العمل فقد اختصراها بهذه الكلمات "رسالتنا بسيطة. نريد أن نأخذ حكايات
الناس ونعيدها لهم من خلال الفن وأن نشجع اللبنانيين على أن يتعرفوا على بعضهم.
تنوعت الآراء حول هذه المسرحية بين مشككٍ ومعارضٍ، ولكن، مع بدء العروض، تأكد
الجميع اننا لا نسخر من أحد فأصبحت المسرحية عابرة للمناطق."
العمل القادم
العمل القادم
سيتناول منطقة الاشرفية. يؤكد جابر أنه ليس خائفاً من تقبل الناس له، لأنه سيقاربه
بنفس المحبة والصدق التي قارب بهما "بيروت، طريق الجديدة". وهو سيكون
حريصاً على عدم الوقوع في فخ التكرار وال-Clichés
أما زياد،
فيعتبر العمل القادم تحدياً جديداً له، إذ يجب أن يلعب أدوراً جديدةً، بعيدةً عن
المنطقة التي ينتمي إليها. وعند سؤاله أن كان يفكر بالالتحاق بأي دروس في التمثيل،
أجاب أن التعلم من يحيى جابر أفضل من أي دروس أخرى.
عفوية وإصرار
زياد عيتاني بالإضافة إلى احتراف وفكر يحيى جابر، يكّونان شراكةً قويةً وفعالةً أدّت
إلى نجاحات مهمة. فالمسرحية تدخل شهرها التاسع على التوالي حاصدةً حوالي ٢٠٠٠٠
مشاهد بأكثر من ١٠٠ عرضٍ (لم يلغى أي واحدٍ منهم).
مستقبل المسرح اللبناني
يبدو واعداً من خلال هذه الشراكة التي نأمل أن تستمر لكي نتمتع بالفن الراقي والجميل
التي تقدمه لنا.
أخيراً، لا
يسعنا سوى شكر هذين الفنانين الحقيقين على وقتهما وتذكيركم أن
"بيروت طريق الجديدة" لا تزال تعرض على مسرح مترو المدينة فسارعوا لحجز
أماكنكم.